تدخلت إسرائيل في الاشتباكات بين جماعات درزية وقبائل بدوية في مدينة السويداء جنوب سوريا، وقصفت مقر هيئة الأركان العامة السورية في دمشق يوم الأربعاء.
أبرزت هذه الأحداث زيف الادعاءات القائلة بأن تغيير النظام الذي حدث في كانون الأول /ديسمبر 2024 بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها، بما في ذلك تركيا، سيجلب الديمقراطية والسلام إلى سوريا، وتشير إلى خطر اندلاع حرب إقليمية.
زُعم أن الاشتباكات في السويداء بدأت في 13 تموز/ يوليو باختطاف تاجر درزي على يد بدو على طريق دمشق-السويداء السريع. خضعت مدينة السويداء، ذات الأغلبية الدرزية، لسيطرة ميليشيات درزية رفضت الانضمام إلى القوات المسلحة لحكومة هيئة تحرير الشام (HTS)، المرتبطة بتنظيم القاعدة، التي تأسست بعد الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد المدعوم من روسيا وإيران.
دخل نظام دمشق الجديد المدينة يوم الثلاثاء، بعد اندلاع اشتباكات بين جماعات درزية وقبائل بدوية. اعتبر الدروز ذلك انتهاكاً للاتفاق الذي تم التوصل إليه مع النظام في أيار /مايون واندلع قتال بين قوات هيئة تحرير الشام والميليشيات الدرزية.
أفادت التقارير أن عدد قتلى الاشتباكات المسلحة في السويداء تجاوز 300 قتيل. ووفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، الممول من واشنطن ولندن، قُتل 69 عنصراً من الميليشيات الدرزية و40 مدنياً في السويداء منذ يوم الأحد. كما زعم المرصد، استناداً إلى مصادر محلية، أن قوات الحكومة السورية أعدمت 27 مدنياً درزياً في السويداء. وسجل المرصد مقتل 165 جندياً سورياً و18 مسلحاً من البدو.
انخرطت إسرائيل، التي تحتل جزءاً من جنوب سوريا، ا في الصراع لأول مرة بمطالبتها 'بعدم تمركز أي قوات في جنوب دمشق'. هاجمت أولاً المركبات المدرعة الحكومية في السويداء. وقصفت يوم الأربعاء، بعض مؤسسات الدولة في دمشق، بما في ذلك المبنى الذي يضم مقر هيئة الأركان العامة السورية.
بعد تغيير النظام، استهدفت إسرائيل البنية التحتية العسكرية المتبقية في سوريا بغارات جوية واسعة النطاق، بما في ذلك غارة جوية على دمشق في أيار/ مايو. في ذلك الوقت، أصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع إسرائيل كاتس إنذاراً نهائياً لنظام هيئة تحرير الشام، قائلين: 'هذه رسالة واضحة للنظام السوري. لن نسمح للقوات السورية بالتحرك جنوب دمشق أو بأي تهديد للدروز'.
أدى إسقاط نظام الأسد في كانون الأول/ديسمبر إلى تقويض نفوذ إيران في البلاد بشكل كبير. حاولت الولايات المتحدة وحلفاؤها الإطاحة بالنظام منذ عام 2011 باستخدام الجهاديين الإسلاميين والميليشيات الكردية كوكلاء. وفي حزيران /يونيو، عندما استخدمت إسرائيل المجال الجوي السوري لمهاجمة إيران، ظل نظام دمشق صامتاً في مواجهة العدوان الأميركي الإسرائيلي ضد طهران.
كما أدى تغيير النظام في دمشق إلى تفاقم التنافس بين حليفتين للولايات المتحدة: تركيا وإسرائيل. فبينما تواصل أنقرة احتلال شمال سوريا عسكرياً لقتال القوات الكردية، تنظر تل أبيب إلى الروابط السياسية والأيديولوجية القوية بين أنقرة ونظام هيئة تحرير الشام كتهديد لنفوذها.
وذكر تقرير لجنة ناجل، الذي قُدّم إلى نظام نتنياهو في كانون الثاني /يناير ، أن 'تركيا أصبحت القوة الأكثر نفوذاً في دمشق، وأن المحور السني التركي حل محل المحور الشيعي الإيراني'، وطرح ضرورة تعزيز القدرات العسكرية استعداداً لصراع محتمل مع تركيا.
كما تشعر حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان بالقلق من تزايد نفوذ إسرائيل في لبنان وسوريا، وكذلك في فلسطين، وترسيخها كقوة إقليمية رئيسية في الشرق الأوسط بدعم من الولايات المتحدة. ففي تشرين الأول أكتوبر ، قال أردوغان: 'إن القيادة الإسرائيلية، التي تتصرف بهذيان الأرض الموعودة وبعصبية دينية بحتة، ستضع نصب عينيها وطننا بعد فلسطين ولبنان'.
وأصدرت وزارة الدفاع التركية، أمس، بياناً قالت فيه: 'إذا طُلب منا فسنقدم كل الدعم الممكن لتعزيز القدرات الدفاعية لسوريا ومساعدتها في حربها ضد الإرهاب'.
ومع ذلك، ورغم انتقادات أنقرة اللاذعة للإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة وهجماتها على إيران، فإنها تواصل إمداد النظام الصهيوني بالنفط من أذربيجان، وتسمح باستخدام القواعد الأمريكية في تركيا لصالح إسرائيل.
كما تشعر أنقرة بالقلق إزاء إعلان إسرائيل للقوات الكردية في سوريا 'حلفاء طبيعيين'. وقد كان هذا عاملاً في تحرك تركيا نحو اتفاق جديد مع حزب العمال الكردستاني (PKK)، حيث تسعى تركيا إلى التعاون مع الولايات المتحدة في خططها 'للشرق الأوسط الجديد' وجني ثمارها. وتروج حكومة أردوغان لمنظور تحالف 'تركي-كردي-عربي' رجعي، بدعم من زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان، لمواجهة طموحات إسرائيل التوسعية في المنطقة.
وفي سوريا، تحاول واشنطن وضع سياسة منسقة مع تركيا وإسرائيل، بالإضافة إلى نظام هيئة تحرير الشام والقوات الكردية المرتبطة بحزب العمال الكردستاني. وتستهدف هذه السياسة بشكل خاص إيران وحلفائها.
تدخلت واشنطن في الوضع خشية أن تؤدي هجمات إسرائيل إلى تصعيد لا يمكن السيطرة عليه بين حلفائها. وصرح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو في بيان مساء الأربعاء: ' تواصلنا مع جميع الأطراف المتورطة في الاشتباكات في سوريا. واتفقنا على خطوات محددة من شأنها إنهاء هذا الوضع المقلق والمروع الليلة. وهذا يتطلب من جميع الأطراف الوفاء بالالتزامات التي قطعوها، وهذا ما نتوقعه منها تماماً'.
ومع انسحاب القوات الموالية لنظام دمشق من السويداء، أدلى أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، ببيان تلفزيوني صباح الخميس، قال فيه: 'لسنا خائفين من الحرب، وقد كرسنا حياتنا لمواجهة التحديات والدفاع عن شعبنا. ومع ذلك، فإننا نضع مصالح السوريين فوق الفوضى والدمار'. وأضاف: 'لهذا السبب، قررنا تكليف الفصائل المحلية وشيوخ العشائر بمهمة الحفاظ على الأمن في السويداء'.
وتابع الشرع: 'لقد أنقذت الوساطة الأمريكية والعربية والتركية الفاعلة المنطقة من مصيرٍ مجهول. كنا أمام خيارين: إما حربٌ مفتوحة مع الكيان الإسرائيلي على حساب شعبنا الدرزي وأمنه، وزعزعة استقرار سوريا والمنطقة بأسرها، أو السماح لوجهاء وشيوخ الدروز بالعودة إلى رشدهم وتغليب المصلحة الوطنية على من يسعون لتشويه سمعة أهالي السويداء الشرفاء'.
يوم الأربعاء، أقرّ مجلس الأمة التركي الكبير، الذي يضم حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان وحليفه الفاشي، حزب الحركة القومية، بالإضافة إلى أحزاب معارضة مختلفة، بما في ذلك حزب الشعب الجمهوري الكمالي، قراراً أدان إسرائيل. وامتنع حزب الشعوب والمساواة والديمقراطية، الذي توسط في المفاوضات بين حكومة أردوغان وأوجلان، عن التصويت.
جاء في القرار: 'نؤكد بأقوى العبارات دعمنا لوحدة أراضي سوريا وسيادتها، ونقف ضد كل ما يهدد أمن شعبنا السوري الصديق والشقيق'.
يأتي هذا من المؤسسة السياسية في بلد لعب، إلى جانب الولايات المتحدة وإسرائيل، دوراً حاسمًا في الحرب الدموية الدائرة في سوريا منذ عام 2011 لتي أودت بحياة مئات الآلاف وشردت ملايين آخرين.
وتابع القرار: 'نؤكد أن السلام والاستقرار في سوريا سيخدمان السلام والاستقرار الإقليميين، وأن أي تطورات معاكسة لن تخدم سوى نتنياهو وفريقه، الذين بنوا وجودهم على الدماء والصراع'.
وكدليل إضافي على نفاق دعوات المؤسسة السياسية البرجوازية التركية إلى 'السلام'، دعا القرار 'المجتمع الدولي'، أي إمبريالية الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، الداعمين الرئيسيين لإسرائيل، إلى 'رفع صوته ضد عدوان إسرائيل، الذي يعمق الأزمة الإقليمية ويهدد السلام العالمي، واتخاذ إجراءات فعالة ومتسقة وحاسمة'.
إن السبيل الوحيد للمضي قدماً في سوريا، التي دمرتها حرب تغيير النظام المدعومة من الإمبريالية، والتي أصبحت الآن مسرحًا لصراع خطير على السلطة بين مختلف القوى الإقليمية والمحلية، هو من خلال منظور اشتراكي دولي يوحد جميع العمال، متجاوزين الانقسامات العرقية والدينية والطائفية، في النضال من أجل سلطة العمال ضد الإمبريالية.