العربية

تقرير للأمم المتحدة يوثق تدمير إسرائيل المتواصل للتعليم والثقافة الفلسطينية

قُدِّم تقرير حديث للجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية وإسرائيل، إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 17 حزيران /يونيو. وفي حين أشار التقرير إلى استمرار إسرائيل في قتل وتشويه الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية وإسرائيل نفسها، ركز بشكل أساسي على تدمير الجيش الإسرائيلي للمؤسسات التعليمية والثقافية منذ 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023.

كان التقرير موضوع نقاش خلال دورة مجلس حقوق الإنسان التاسعة والخمسين، حيث أيده ممثلون من دولة فلسطين وجنوب إفريقيا وباكستان وإندونيسيا والبرازيل ومصر وكوبا وفنزويلا ودول أخرى.

أكد بيان مشترك صادر عن المملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا معارضته اللفظية البحتة للعمل العسكري والمعاناة الإنسانية في غزة، وادعى أن لجنة التحقيق 'متحيزة'. وأعرب مندوبو الاتحاد الأوروبي عن قلقهم إزاء 'الوضع الإنساني الكارثي' في غزة، لكنهم أدانوا توغل حماس في إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول.

ولم تشارك الولايات المتحدة في الحوار حول التقرير، ولا تعترف إسرائيل بشرعية لجنة التحقيق. وقد حالت هذه الإجراءات مجتمعة دون اعتماد القرار رسميًا من قبل لجنة حقوق الإنسان.

ومع ذلك، فإن التقرير مذهل، ويستحق أن يُنشر ويُقرأ على نطاق واسع. فرغم أنه ما تضمن مواد جديدة، وأن الحوادث المختلفة نُشرت سابقاً في وسائل الإعلام العالمية، إلا أنه أدى وظيفتين أساسيتين: أولاً، جمع بدقة الأدلة التي تُمكّن سكان العالم من فهم النطاق الكامل ونوايا أفعال الحكومة الإسرائيلية في غزة.

ثانياً، بتركيزه على التدمير المتعمد للمؤسسات التعليمية والثقافية الفلسطينية، ليس فقط في غزة، بل و في الضفة الغربية، سلّط التقرير الضوء على مسار 'الإبادة الاجتماعية' - 'القتل المتعمد و الممنهج لمجتمع بأكمله' الذي يتجاوز التجويع والتشويه والتعذيب وقتل الرجال والنساء والأطفال بلا هوادة. وتشمل هذه 'الإبادة الاجتماعية' التدمير الشامل للتعليم في غزة والضفة الغربية، والتدمير العشوائي للمواقع الثقافية في فلسطين.

بدأ التقرير بالإشارة إلى الأضرار المادية التي لحقت بالبنية التحتية التعليمية على يد الدولة الصهيونية:

في الفترة ما بين 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023 و25 شباط /فبراير 2025، تعرّض 403 من إجمالي 564 مبنى مدرسي في غزة لقصف مباشر ولحقت به أضرار. من بين تلك المدارس المتضررة، دُمّرت 85 مدرسة بالكامل، وفقدت 73 مدرسة نصف مبانيها على الأقل. وبما أن 61% من مدارس غزة عملت بنظام الفترتين أو الثلاث فترات، فقد أثّر كل مبنى مدرسي دُمّرَ على مئات، وأحياناً آلاف، الطلاب. خدمت المباني المدرسية الـ 403 التي تضررت بشكل مباشر حوالي 435,290 طالباً و16,275 معلماً. بين 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023 و25 شباط /فبراير، تضررت 62% من المباني المدرسية المستخدمة كملاجئ بشكل مباشر، مما أسفر عن سقوط أعداد كبيرة من الضحايا.

كما كان تخريب منشآت التعليم العالي مدمراً:

استُهدفت مرافق التعليم العالي ودُمرت، أو أُتلفت ، مما أثر على حوالي 87000 طالب جامعي. وشمل هذا الحرم الجامعي في جامعة الأزهر، التي هُدمت في كانون الأول/ديسمبر 2023، وحرم جامعة الإسراء، الذي هُدم في كانون الثاني/ يناير. وقد دُمر أكثر من 57 مبنى جامعي بالكامل حتى 25 آذار / مارس 2025.

ومن المهم أن اللجنة حللت الادعاءات الإسرائيلية، عندما كلف الصهاينة أنفسهم عناء تقديمها، بأن هذه المؤسسات استُخدمت لأغراض عسكرية، وسعت بشكل مستقل إلى التأكد من استخدامها العسكري المحتمل.

ما تمكنت اللجنة من تحديد أي هدف عسكري لهدم المرافق التعليمية. وتحققت اللجنة بأسلوب علمي من هدم مدرستين في بيت حانون شمال قطاع غزة في منتصف تشرين الثاني/نوفمبر 2023، وهما مدرسة بيت حانون الإعدادية للبنات 'ب' ومدرسة بيت حانون الابتدائية المشتركة المجاورة 'ج'. وخدمت هاتان المدرستان 2400 طالب. و تضررت كلتا المدرستين بشدة من خلال عمليات الهدم المتحكم بها.

تُعدّ هذه جرائم حرب وفقاً لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، الذي انسحبت إسرائيل من توقيعه عام 2002. وتتوافق هذه الأفعال، بالإضافة إلى قتل المعلمين أنفسهم، مع تعريف 'إبادة التعليم' الذي وضعته مجموعة 'علماء ضد الحرب على فلسطين' (SAWP): 'التدمير المنهجي، كلياً أو جزئياً، للحياة التعليمية لجماعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية'، والذي، كما تُشير المنظمة على موقعها الإلكتروني، 'أصبح جانباً خطيراً من حرب الإبادة الجماعية التي شنتها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني'.

تمكّنت اللجنة من تحديد وحدات الجيش الإسرائيلي المسؤولة عن تدمير المؤسسات التعليمية. وأوضح التقرير أن الأيديولوجية الفاشية لحكومة نتنياهو والعنصرية الصهيونية كمنت عموماً وراء إبادة التعليم:

صوّر جنود إسرائيليون حوادث هدم المرافق التعليمية. و أظهرت اللقطات جنوداً أطلقوا تعليقات ونكات احتفالية أو مهينة أثناء عمليات الهدم أو بعدها. ففي أحد الأمثلة، قال جندي إسرائيلي بالعبرية: 'لكل من يسأل عن سبب غياب التعليم في غزة، عفواً، سقط عليكم صاروخ، هذا مؤسف، للأسف. هكذا لن تصبحوا مهندسين'.

وأشار التقرير إلى أعمال تخريب متكررة، بما في ذلك حرق، مرافق المدارس واستخدامها لتخزين ذخائر الجيش الإسرائيلي.

من 7 تشرين الأول /أكتوبر الأول 2023 إلى آذار /مارس 2025، وهو آخر تاريخ استخدمه التقرير، أفادت وزارة الصحة في غزة أن إسرائيل قتلت 15,615 طفلاً. إلا أن 658,000 من الأطفال الذين بقوا على قيد الحياة حُرموا من التعليم الرسمي، وبينما يتوفر بعض التعليم عبر الإنترنت، أشار التقرير إلى أن 'الوضع المعقد الذي وجد الأطفال أنفسهم فيه حوّل انتباههم عن التعليم إلى التركيز على البقاء وسط الهجمات وانعدام اليقين والجوع وظروف المعيشة غير الإنسانية. كما أُجبر الأطفال بشكل متزايد على البحث عن عمل غير رسمي'.

ما تناول التقرير الاحتياجات التعليمية الخاصة للأطفال الذين فقدوا أذرعهم أو أرجلهم أو تضرروا نفسياً جراء الهجمات الإسرائيلية.

كما يستمر التهجير المدرسي في الضفة الغربية، التي حظيت باهتمام أقل بكثير من تلك الموجودة في غزة:

تأثر حوالي 806,000 طالب وطالبة في المرحلتين الابتدائية والثانوية بالتدابير التي نفذتها قوات الأمن الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية. وفي الفترة ما بين 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023 و25 آذار /مارس 2025، تعرضت 141 مدرسة للهجوم والتخريب، وقُتل 96 طالباً وأربعة من أعضاء هيئة التدريس، وأصيب 611 طالباً و21 من أعضاء هيئة التدريس، واعتُقل 327 طالباً وأكثر من 172 من أعضاء هيئة التدريس. و أدت عمليات الإغلاق والقيود والمداهمات العسكرية إلى خسارة كبيرة في أيام الدراسة خلال العام الدراسي 2023/2024؛ وفي بعض المناطق، ضاع ما وصل إلى نصف العام الدراسي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن طبيعة الاحتلال العسكري للضفة الغربية والقدس تجعل الحياة اليومية للعديد من الطلاب لا تُطاق: 'كما تلقت اللجنة تقارير أفادت بأن بعض الطالبات خشين المرور عبر نقاط التفتيش للذهاب إلى المدرسة، بما في ذلك نقطة تفتيش في منطقة H2 في الخليل حيث وردت تقارير عن حوادث كشف فيها جنود إسرائيليون لأعضائهم التناسلية للنساء والفتيات.

كان لعنف المستوطنين تأثيرٌ أيضًا. ولنذكر حادثةً واحدةً فقط من التقرير:

تعرّضت مدرسة الكعابنة الأساسية في قرية المعرّجات قرب أريحا لهجومٍ (من قِبَل مستوطنين يمينيين متطرفين9 في ايلول /سبتمبر 2024. وقع الهجوم أثناء دوام المدرسة. وخلال الهجوم، اعتدى المستوطنون بالضرب على ناشطٍ في مجال حقوق الإنسان صوّر المشهد، بينما تحصّنت مجموعةٌ كبيرةٌ من تلاميذ المدارس المنهكين في أحد الفصول الدراسية مع مُعلّمهم.

وتناول التقرير أيضاً الاعتداء على الحقوق الديمقراطية للطلاب والمعلمين في إسرائيل نفسها. 'منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023، اتخذت المدارس والجامعات في إسرائيل إجراءاتٍ تأديبيةً ضد الطلاب والموظفين، في كثيرٍ من الحالات لتعبيرهم عن تعاطفهم العلني أو دعمهم لشعب غزة...' واستشهد التقرير بعددٍ من حالات الاعتقال والمضايقة للمعلمين والأساتذة، من الفلسطينيين واليهود الإسرائيليين، لمعارضتهم الإبادة الجماعية.

وبالإضافة إلى تدمير التعليم، استهدف الجيش الإسرائيلي وغيره من وكالات الحكومة الإسرائيلية المؤسسات الثقافية الفلسطينية أيضاً، وفقاً للتقرير.

حتى 29 تشرين الثاني /نوفمبر 2024، تحققت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) من الأضرار التي لحقت بـ 75 موقع في غزة منذ 7 تشرين الأول /أكتوبر 2023 شملت 10 مواقع دينية، و48 مبنى ذا أهمية تاريخية و/أو فنية، وثلاثة مستودعات للممتلكات الثقافية المنقولة، وستة معالم أثرية، ومتحف واحد، وسبعة مواقع أثرية... ، ومقبرة رومانية، ومتحف قصر الباشا، وحمام السامريين القديم، والمسجد العمري الكبير.

في إحدى الحالات:

قُصف مركز رشاد الشوا الثقافي في حي الرمال مرتين... بالإضافة إلى ذلك، دُمّر مدخل المبنى بالجرافات. كان المركز مركزاً ثقافياً حيوياً في غزة، يُقدّم أنشطة فنية واجتماعية للسكان المحليين.... ما قدّمت قوات الأمن الإسرائيلية أي تفسير للهجوم. وسبق للجنة أن أفادت عن ممارسة قوات الأمن الإسرائيلية لمهاجمة 'أهداف القوة'، التي حُددت لقيمتها الرمزية دون أي ضرورة عسكرية، وأُشارت إلى أن المركز ربما يكون قد تعرض للهجوم بموجب هذه الممارسة.

ومن بين النتائج الجديرة بالملاحظة في التقرير هو التحديث بشأن عملية الاختطاف المعروفة التي تقوم بها السلطات الإسرائيلية للمواقع الثقافية والأثرية في الضفة الغربية:

وثّقت اللجنة العديد من الحوادث التي قام فيها المسؤولون الإسرائيليون بما يلي: الاستيلاء على مواقع التراث الثقافي أو السماح للمستوطنين بالاستيلاء عليها؛ والتنقيب في هذه المواقع وتطويرها وتوسيعها لأغراض سياحية، بما في ذلك تلك التي ضمت قطع أثرية مثلت ثقافات وفترات تاريخية مختلفة، مع استبعاد التاريخ غير اليهودي؛ ومنع الفلسطينيين أو تقييد وصولهم إليها بشدة...

أصبح إنشاء وتوسيع مواقع التراث اليهودي الحصري في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، شكلاً آخر من أشكال الاستيطان والضم الذي يُقصي الفلسطينيين من خلال تقييد وصولهم إلى أراضيهم وعدم الاعتراف بعلاقتهم بتراث الأرض وتاريخها.

وأشار التقرير أيضاً إلى التدمير المتكرر للمؤسسات الدينية، بما في ذلك المساجد والكنائس، على يد قوات الأمن والمستوطنين الفاشيين. وفي حين ادّعي الجيش الإسرائيلي في كثير من الأحيان أن هذه المواقع أوت مقاتلين من حماس، ما تمكنت اللجنة من التحقق من ذلك ولا في حالة واحدة.

في كثير من الأحيان، عجت الأماكن الدينية بالمصلين أو المدنيين النازحين عند تدميرها، كما حدث في 10 آب /أغسطس2024، عندما

هاجمت قوات الأمن الإسرائيلية مسجد سعد الغفاري، الواقع في مجمع مشترك مع مدرسة التباعين في منطقة الدرج وسط قطاع غزة، وآوى نازحين داخلياً. وقع الهجوم في الساعة الرابعة فجراً، أثناء صلاة الفجر، مما تسبب في أضرار جسيمة في الطابق الأرضي من المبنى ومقتل ما لا يقل عن 90 شخصاً، من بينهم 11 طفلًا و6 نساء.

اشار التقرير في استنتاجاته بشأن تدمير المؤسسات التعليميةإلى ما يلي:

كان لتدمير نظام التعليم في غزة وإضعافه في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة آثارٌ وخيمةٌ بالفعل على حياة الشباب، وسيُؤخر تعليمهم سنواتٍ. وهذا بدوره سيؤثر على تنمية الأرض الفلسطينية المحتلة ككل، بما في ذلك التنمية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، مما يُقوّض حق الفلسطينيين الأوسع في تقرير المصير، ويُوسّع نطاق الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأرض الفلسطينية المحتلة.

أغفل هذا الاستنتاج أن هدف النظام الصهيوني، المدعوم من الولايات المتحدة والقوى الأوروبية، هو طرد أو إبادة الشعب الفلسطيني بأكمله. هذه هي المرحلة التي وصلت إليها البربرية الإمبريالية.

سيكون هذا التقرير دليلاً أساسياً في محاكمات جرائم الحرب المستقبلية لقادة إسرائيليين وأمريكيين وأوروبيين.

Loading